فصل: (سورة الشعراء: الآيات 123- 140):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} كلام مستأنف مسوق للشروع في حكاية القصة الثالثة وكذبت قوم نوح المرسلين فعل وفاعل ومفعول، وأنث الفعل باعتبار معنى القوم وهو الأمة والجماعة وفي المصباح:
القوم يذكر ويؤنث فيقال قام القوم وقامت القوم وكذا كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر وفي الزمخشري والبيضاوي:
القوم مؤنث ولذلك يصغر على قويمة وهذا محمول على الأغلب فإن قلت: كيف قال كذبت قوم نوح المرسلين وهم لم يكذبوا إلا نوحا وحده قلت هو كقولهم فلان يركب الدواب ويلبس البرود وما له إلا دابة وبرد.
{إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} الظرف متعلق بكذبت وجملة قال في محل جر بإضافة الظرف إليها ولهم متعلقان بقال وأخوهم فاعل قال ونوح بدل وإنما جعله أخاهم جريا على أسلوبهم في قولهم:
يا أخا العرب ويا أخا تميم يريدون يا واحدا منهم ومنه بيت الحماسة:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا وألا أداة عرض وتتقون فعل مضارع وفاعل.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} تعليل لعرضه عليهم الجنوح إلى التقوى وان واسمها ولكم متعلقان بمحذوف حال أو برسول ورسول خبر وأمين صفة.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} الفاء الفصيحة واتقوا اللّه فعل أمر وفاعل ومفعول به وأطيعون الفاء عاطفة وأطيعون فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء المحذوفة لمراعاة الفواصل مفعول به.
{وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ} الواو عاطفة وما نافية وأسألكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وعليه متعلقان بمحذوف حال ومن حرف جر زائد وأجر مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به وإن نافية وأجري مبتدأ وإلا أداة حصر وعلى رب العالمين خبر.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} تقدم إعرابها قريبا وقد صدرت القصص الخمس بالأمر بالتقوى للدلالة على اتفاق الأديان السماوية على وجوب معرفة الحق واتباعه وكررت الجملة نفسها تأكيدا لهذه الغاية السامية.
{قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الهمزة للاستفهام الإنكاري ونؤمن فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن ولك متعلقان بنؤمن والواو للحال واتبعك الأرذلون فعل ومفعول به وفاعل، وحق واو الحال هنا أن يضمر بعدها قد وهذا ضرب من السخافة يقيسون كفاءة الاتباع بمقدار ما يتمتعون به من مال وحطام أو بما يتميزون به من حسب وجاه ولكن الإسلام سوى بين المسلمين كافة.
{قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} الواو استئنافية وما يحتمل أن تكون استفهامية وأن تكون نافية فعلى الأول تكون في محل رفع بالابتداء وعلمي خبرها وبما متعلقان بعلمي على كل حال وعلى جعلها نافية يكون الخبر محذوفا ليصير الكلام به جملة، وجملة كانوا صلة ما وجملة يعملون خبر كانوا.
{إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} إن نافية وحسابهم مبتدأ وإلا أداة حصر وعلى ربي خبر حسابهم ولو امتناعية وتشعرون فعل مضارع مرفوع وجواب لو محذوف كما أن مفعول تشعرون محذوف تقديره ذلك وتقدير الجواب ما عبتموهم وما نسبتم إليهم أي نقص.
{وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} الواو عاطفة وما حجازية وأنا اسمها والباء حرف جر زائد وطارد مجرور لفظا خبر ما محلا والمؤمنين مضاف إليه.
{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} إن نافية وأنا مبتدأ وإلا أداة حصر ونذير خبر ومبين صفة.
{قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} اللام موطئة للقسم وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم وتنته فعل مضارع مجزوم بلم والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت ولتكونن اللام جواب القسم وجواب الشرط محذوف على حسب القاعدة المشهورة:
واحذف لدى اجتماع شرط ** وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم

وتكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة واسم تكونن ضمير مستتر تقديره أنت ومن المرجومين خبر.
{قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} رب منادى مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة وحرف النداء محذوف وان واسمها وجملة كذبون خبرها وكذبون فعل ماض وفاعل ومفعول به وقد حذفت ياء المتكلم لمراعاة الفواصل.
{فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الفاء الفصيحة وافتح فعل أمر معناه الدعاء وفاعله مستتر تقديره أنت وبيني ظرف متعلق بافتح وبينهم عطف على بيني وفتحا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا ويجوز أن يكون مفعولا به والفتح هنا من الفتاحة بمعنى الحكومة، والفتاح الحاكم سمي بذلك لفتحه مغالق الأمور وفي القاموس: الفتاحة بالضم والكسر ويقال بينهما فتاحات أي خصومات والمعنى احكم بيننا بما يستحقه كل منا والمراد أنزل العقوبة بهم ولذلك قال ونجني. ونجني الواو عاطفة ونجني عطف على احكم ومن الواو عاطفة أو للمعية ومن عطف على الياء أو مفعول معه ومعي ظرف متعلق بمحذوف صلة من ومن المؤمنين حال.
{فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الفاء استئنافية وهو من كلامه تعالى وأنجيناه فعل ماض وفاعل ومفعول به ومن مفعول معه أو عطف على الهاء ومعه ظرف متعلق بمحذوف صلة وفي الفلك متعلقان بالاستقرار الذي تعلق به الظرف والمشحون صفة للفلك والمشحون المملوء.
{ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ} ثم حرف عطف للتراخي وأغرقنا فعل وفاعل وبعد ظرف زمان مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة لفظا لا معنى والمراد بعد انجائهم، والباقين مفعول أغرقنا.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} كلام مستأنف لبيان العبرة من هذه القصة وان حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبر مقدم واللام المزحلقة وآية اسم إن المؤخر والواو عاطفة أو حالية وما نافية وكان واسمها ومؤمنين خبرها يعني أن أكثريتهم الساحقة لم تؤمن ولذلك أخذوا ولو كان نصفهم مؤمنين على الأقل لنجوا.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} الواو عاطفة وان واسمها واللام المزحلقة وهو ضمير فصل أو مبتدأ والعزيز خبر إن أو هو والرحيم خبر ثان وقد تقدم إعراب نظائرها مرارا.

.البلاغة:

التكرير في قوله: {فاتقوا اللّه وأطيعون} للتأكيد والتقرير في النفوس مع كونه علق على كل واحد منهما بسبب وهو الأمانة في الأول، وقطع الطمع في الثاني، ونظيره قولك: ألا تتقي اللّه في عقوقي وقد ربيتك صغيرا؟ ألا تتقي اللّه في عقوقي وقد علمتك كبيرا؟.
وفيه أيضا التقديم، قدم الأمر بتقوى اللّه على الأمر بطاعته لأن تقوى اللّه علة لطاعته.

.[سورة الشعراء: الآيات 123- 140]:

{كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (136) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)}.

.اللغة:

{رِيعٍ}: الريع بكسر الراء وفتحها قال في الأساس واللسان:
ونزلوا بريع وريع رفيع وريعة وريعة رفيعة وهي المرتفع من الأرض وتقول: يبنون بكل ريعة وملكهم كسراب بقيعة وقال في القاموس: والريع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض أو كل فج أو كل طريق أو الطريق المنفرج في الجبل والجبل المرتفع الواحدة بهاء.
وبالكسر الصومعة وبرج الحمام والتلّ العالي وبالفتح فضل كل شيء كريع العجين والدقيق والبذر قلت واستعمال بمعنى استغلال الريع صحيح يقال طعام كثير الريع، وأراعت الحنطة وراعت زكت، وأراعها اللّه تعالى وأراع الناس هذا العام: زكت زروعهم ويقولون كم ريع أرضك وهو ارتفاعها قال المسيب بن علس:
في الآل يرفعها ويخفضها ** ريع يلوح كأنه سحل

والضمير في البيت للظعائن أي هي في الآل وهو السراب يرفعها تارة ويخفضها أخرى ريع أي طريق مرتفع تارة ومنخفض أخرى أو مكان عال ترتفع بصعوده وتنخفض بالهبوط منه. ويقال ليس له ريع أي مرجوع وغلة.
{آيَةً}: الآية: العلم يهتدي به المارة وكان بناؤها للعبث واللهو لأنهم كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها وقيل المراد بها القصور المشيدة ترفعون بناءها وتجتمعون فيها فتعبثون بمن يمربكم.
{تَعْبَثُونَ}: في المصباح: عبث عبثا من باب تعب لعب وعمل مالا فائدة فيه فهو عابث.
{مَصانِعَ}: جمع مصنعة بفتح الميم مع فتح النون أو ضمها وهي الحوض أو البركة فقوله مصانع أي حيضانا وبركا تجمعون فيها الماء فهي من قبيل الصهاريج، وفي المختار: المصنعة بفتح الميم وضم النون أو فتحها كالحوض يجمع فيه ماء المطر والمصانع الحصون وفي القاموس وشرحه التاج: المصنعة والمصنعة بفتح الميم وفتح النون وضمها ما يجمع فيه ماء المطر كالحوض والجمع مصانع والمصانع أيضا:
الفري والحصون والقصور والمصنعة أيضا الدعوة للأكل يقال كنا في مصنعة فلان وموضع يعزل للنحل بعيدا عن البيوت وجميع هذه المعاني صالحة للتفسير.
{بَطَشْتُمْ}: البطش: السطوة والأخذ بعنف وللباء مع الطاء فاء وعينا للكلمة خاصة غريبة فهي تدل على السطوة والقوة وعدم المبالاة بالآخرين يقال: أبطأ علي فلان وبطؤ في مشيته وتباطأ في أمره وتباطأ عني وفيه بطء وما كنت بطيئا ولقد بطؤت وفرس بطيء من خيل بطاء وما أبطأ بك عنا؟ وما بطأ بك؟ وما بطّأك؟ قال عمر بن ربيعة:
فقمت أمشي فقامت وهي فاترة ** كشارب الرّاح بطّا مشيه السكر

ولا يخفى ما في ذلك كله من الإدلال بالنفس والزهو بها وعدم المبالاة بالآخرين، ويقال بطحه على وجهه فانبطح وفيه كل الاذلال والصّغار والمهانة ونظر حويص إلى قبر عامر بن الطفيل فقال: هو في طول بطحتي أراد في طول.
ما قال:
قوم إذا اخضرّت نعالهم ** يتناهقون تناهق الحمر

وامرأة بطيرة شديدة البطر وبيطر الدابة بيطره وأشهر من راية البيطار والدنيا قحبة يوما عند عطار ويوما عند بيطار ومن أقولهم أيضا: وعهدي به وهو لدوابنا مبيطر فهو اليوم علينا مسيطر ومن حكمهم المأثورة: لا تبطرنّ صاحبك ذرعه أي لا تقلق إمكانه ولا تستفزه بأن تكلفه غير المطاق وذرعه من بدل الاشتمال وبطر فلان نعمة اللّه استخفها فكفرها ولم يسترجحها فيشكرها ومنه {بطرت معيشتها} وذهب دمه بطرا أي مبطورا مستخفا حيث لم يقتصّ به وهو بهذا الأمر عالم بيطار، قال عمر بن أبي ربيعة:
ودعاني ما قال فيها عتيق ** وهو بالحسن عالم بيطار

والبطش معروف وقد تقدم ومن مجازه: فلان يبطش في العلم بباع بسيط، وبطشت بهم أهوال الدنيا، ومن أقوالهم: وسلكوا أرضا بعيدة المسالك قريبة المهالك، وقذوا بمباطشها، وما أنقذوا من معاطشها وجاءت الركاب تبطش بالأحمال أي ترجف بها، وبطّ القرحة بالمبط وهو المضع وعنده بطة من السليط والبط والواحدة بطة للمذكر والمؤنث وهو طير مائي قصير العنق والرجلين وهو غير الإوز وجمعه بطوط وبطاط والبطة أيضا إناء كالقارورة أبطح، وهو باطل بين البطلان وبطّال بيّن البطالة بكسر الباء وقد بطل بفتح الطاء وبطل بيّن البطالة بفتح الباء وقد بطل بضم الطاء وقد بطل بضم الطاء أيضا يبطل بالضم بطالة وبطولة صار شجاعا فهو بطل وجمعه أبطال ومؤنثه بطلة وجمعها بطلات، والبطن معروف وألقت الدجاجة ذات بطنها ونثرت المرأة للزوج بطنها إذا أكثرت الولد وبطنه وظهره أي ضربهما منه وقد بطن فلان بالبناء للمجهول إذا اعتل بطنه وهو مبطون وبطين ومبطان ومبطن أي عليل البطن وعظيمه وأبطن البعير شدّ بطانة وباطنت صاحبي شددته معه وبطّن ثوبه بطانة حسنة واستبطن أمره عرف باطنه وتبطّن الكلأ: جوّل فيه وتوسطه، قالت الخنساء:
فجاء يبشّر أصحابه: تبطّنت يا قوم غيثا خصيبا وتبطّن الجارية جعلها بطانة له، قال امرؤ القيس:
كأني لم أركب جوادا للذّة ** ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال

ويقال أنت أبطن بهذا الأمر خبره وأطول له عشره، وهو بطانتي وهم بطانتي وفلان عريض البطان أي غني، وشأو بطين أي بعيد، قال زهير:
فبصبص بين أداني الغضى ** وبين عنيزة شأوا بطينا